بعد أفول نجم الإخوان وداعش... خطر حزب التحرير يعود من جديد

 

هشام النجار

بعد أفول نجم الإخوان وداعش... خطر حزب التحرير يعود من جديد

تردد خلال الآونة الأخيرة في أكثر من ساحة اسم حزب التحرير الذي ينظر إلى متغيرات مختلفة في العالم على أنّها فرصة لتجريب حظوظه في كسب النفوذ ومضاعفة أعداد مؤيديه وداعميه، مستغلاً تركيز الأجهزة الأمنية على أنشطة جماعة الإخوان وتنظيمي داعش والقاعدة.

وقد أفرد الكاتب المصري والباحث في شؤون الجماعات المتطرفة هشام النجار تقريراً للحديث عن أماكن تواجد الحزب ونشاطاته وطرق عمله، ففي سوريا تم اكتشاف تأثيرات الدور الذي يلعبه حزب التحرير في هندسة حركة الشارع الغاضبة ضد سلطة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، ووضحت مواطن قوة الحزب الذي لا يتبنّى التغيير بقوة السلاح ولا يتميز بامتلاك قدرات عسكرية، وأسهم في خلق حالة من  المعارضة الشعبية المنظمة القادرة على إزعاج سلطة الهيئة في إدلب السورية.

في سوريا تم اكتشاف تأثيرات الدور الذي يلعبه حزب التحرير في هندسة حركة الشارع الغاضبة ضد سلطة هيئة تحرير الشام.

ووفق ما ورد عن النجار، فقد ردّ حزب التحرير على استخفاف هيئة  تحرير الشام به قبل أكثر من عامين وإقدامها على اعتقال ناشطيه الذين أعلنوا معارضتهم لسياساته واتهامهم له بالعمالة للغرب والتعاون مع تركيا، عبر الحضور بقوة أخيراً في خلفية مظاهرات يزيد الحزب زخمها بالترويج لسقطات الهيئة السياسية بجانب المظالم الحقوقية والاجتماعية والفساد الإداري.

وتشترك غالبية المنشورات التي وزعها ناشطو حزب التحرير بسوريا في اتهام قادة الهيئة بالعمالة للمخابرات العالمية، والعمل على تسليم مناطق شمال غرب سوريا للنظام السوري من خلال صفقة تركية ـ سورية تهدف إلى تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق.


وتبين لهيئة تحرير الشام أنّ هناك من هو أخطر من معارضيها المسلحين الذين نجحت في تخفيض مستوى تهديدهم من منتسبي جماعة حراس الدين (فرع القاعدة في سوريا) وداعش، وأنّ أساليب حزب التحرير في المعارضة وتنظيم حملات الدعاية الموجهة عبر منشورات ووسائل التواصل الاجتماعي وتجييش الجماهير الغاضبة أكثر خطورة، مع عجزها عن استخدام القبضة الحديدية والقمع ضد حراك شعبي واسع ومنظم، بحسب النجار.

وفي أندونيسيا أيضاً نافس ناشطو حزب التحرير الدعاة ورجال الدين على وسائل التواصل الاجتماعي، وبات هناك الملايين الذين يتابعون (فيليكس سياو) أحد زعماء الحزب على منصة (إكس).

وأضاف النجار: "أمّا في ألمانيا، فإنّ منظمة (مسلم إنتراكتيف) التي حشدت المئات في مدينة هامبورغ خلال مظاهرة ترددت فيها شعارات مثل "الخلافة هي الحل"، و"ألمانيا تساوي دكتاتورية القيم"، ما هي إلا تطور لحزب التحرير الذي حظرته السلطات الألمانية عام 2003 وأنّها شكل جديد للحزب نفسه بالأفكار والطروحات ذاتها، لكن بعنوان مختلف.


وقد ذُكرت منظمة "مسلم إنتراكتيف" في تقرير الاستخبارات الداخلية الألمانية ككيان مقرب من حزب التحرير، وهو الحريص على توليد جماعات تروج لأفكاره وتستقطب مؤيدين لأهدافه للتحايل على حظر أنشطته.

هذا، وتضع الاستخبارات الداخلية الألمانية منظمة "مسلم إنتراكتيف" المنبثقة عن حزب التحرير في خانة التطرف، وتحاول خلق مجتمعات موازية للمجتمع الألماني وتدعو إلى خلافة عالمية، وترفض الديمقراطية ونظامها الدستوري في البلاد، ممّا دعا إلى التأهب والمطالبة باستباق الخطر عبر إلحاقها بقائمة الحظر، لأنّ ألمانيا مستهدفة لإيصال مستويات اختراقها من قبل تيار الإسلام السياسي إلى ما هو عليه الحال في بريطانيا وبلجيكا وفرنسا.


وأوضح الباحث في شؤون الجماعات المتطرفة أنّه عبر جهاز دعاية محترف واستغلال لبعض رموز النخبة من مثقفين وأساتذة جامعات كوسيلة نقل للأفكار والمناهج، نجح حزب التحرير في جذب مريدين لتبنّي قناعاته وتصوراته في بعض دول وسط آسيا وجنوب شرق آسيا وأوروبا، فضلاً عن دول في الشرق الأوسط مثل الأردن وفلسطين وسوريا، وزعم ناشطو الحزب أنّ أتباعهم في (40) دولة.

عبر جهاز دعاية محترف واستغلال بعض رموز النخبة من مثقفين وأساتذة جامعات، نجح حزب التحرير في جذب مريدين لتبنّي قناعاته وتصوراته.

ويرجع النجار السبب الرئيسي وراء كثافة حضور حزب التحرير في العديد من الساحات، خاصة بعض دول أوروبا، خلال الآونة الأخيرة، إلى بروز متغيرات يرى أنّها تثبت دعايته السياسية الرئيسية المتعلقة بالمسؤولية الغربية والأمريكية عن المعاناة في العالم الإسلامي، متمثلة في مشاهد القتل الجماعي التي تُبث من غزة.

وذكر الكاتب المصري أنّ حزب التحرير يستخدم أكثر من غيره الجدل والنقاشات في الشؤون السياسية العالمية والإقليمية للترويج لفكرته الدينية المتمثلة في وجوب إقامة خلافة إسلامية تحمي مسلمي العالم من الاضطهاد والظلم، فالحزب ليس حركة دينية تقليدية، وإنّما هو كيان سياسي ثوري يوظف القضايا والإشكالات الدينية، مستخدماً الخلافة العالمية ليعفي نفسه من الأسئلة المتعلقة بإخفاقات التنظيمات الإسلامية في الحكم المحلي.


وأكد أنّ حزب التحرير الذي يطرح نموذجاً إسلامياً عالمياً مناهضاً للمنظومة الدولية القائمة، استغل خسارة الغرب وأمريكا خلال الأعوام الـ (20) الأخيرة المعركة في ساحة القيم التي يزعم أنّه يدافع عنها، بداية من الممارسات في منفى غوانتنامو، ومروراً بسجن أبوغريب، والتدخل غير القانوني في العراق، والانتخابات المزورة في أفغانستان، وانتهاءً بازدراء وإنكار الحقوق المشروعة للفلسطينيين.

ووفق النجار، فقد نجح حزب التحرير في الوصول بأفكاره إلى شريحة واسعة من الجماهير في العالم، من خلال التأثير على بعض النخب المثقفة وأساتذة الجامعات الذين يتولون إيصال مبادئه عبر ندوات وتدريبات ونقاشات مفتوحة مع الطلاب، مستغلاً مصداقية هؤلاء لدى مُريديهم، وفقاً لمقتضيات مرحلتين تدخلان في صميم خطته؛ وهما مرحلتا التنشئة الثقافية، والتفاعل مع الأمة.

وقد وصل حزب التحرير إلى مرحلة مكنته من تنظيم مظاهرات حاشدة في بعض الدول ترفع شعارات بحسب طبيعة القضية التي تدافع عنها، ممّا يعني أنّه حقق نجاحاً بنواته الأولى من المثقفين والنخب في إقناع قطاعات جماهيرية واسعة بصحة إيديولوجيته، وأنّ تنظيمه للحراك في الشارع ربما يحفز المتأثرين به ممّن يشغلون مناصب في السلطة لدعم ندائه المُبطن للانقلاب والتغيير.

وتظهر حالياً على المستويين العالمي والإقليمي الاستجابة لرغبته في استغلال وقوع تناقض فج جديد بين ما تدعيه الولايات المتحدة ودول غربية أخرى من قيم واحترام لحقوق الإنسان والتزام بمعايير التحضر، وما يجري فعليّاً على الأرض، حيث بات الواقع المعيش يشوه المبادئ المعلنة.

وبعد إخفاقات متكررة لمختلف الحركات الإسلامية حول العالم، يسعى حزب التحرير لإلهام أساليبه الثورية وتحريك الجماهير لجعل نفسه جزءاً من حركة التصدي وليس الحركة كلها، حتى يتمترس وراء الجماهير، ولا يكون عُرضة وحده لسخط السلطة، ممّا يسهّل عملية تقويضه وتفكيكه.

ويقدم حزب التحرير نفسه كبديل عن مختلف الكيانات والتنظيمات الناشطة في الغرب، أو تلك التي تخوض تجارب حكم محلية في الشرق الأوسط بتصويرها خادمة للمصالح الغربية، باستثناء جماعة الإخوان التي يتبادل معها المصالح والمنافع، ويحرص على أن يشكّلا معاً حالة تكاملية، خاصة في الفضاء الأوروبي في مواجهة خطط الحظر والتضييق.

وأشار النجار إلى أنّ حزب التحرير يشترك مع الحركات الإسلامية الأخرى في الهدف المتمثل في إقامة خلافة كبديل عن الأنظمة المحلية والعالمية التي لا تمثل النموذج الإسلامي وعن الأنظمة الاقتصادية الرأسمالية والاشتراكية، لكن يختلف عنها في الوسائل.

وختم النجار تقريره بأنّه علاوة على التشابه في الغاية بين الجماعات الراديكالية المتطرفة هناك تشارك في النفعية واستغلال القضايا العادلة، حيث يتيح التسلل إلى المؤسسات والشركات المملوكة للدول والهيئات التعليمية للحزب جمع الأموال بحريّة، واستغلاله كل ما يتعلق بمناصرة غزة والشعبين الفلسطيني والسوري في جمع التبرعات التي تذهب إلى خزائن تمويل نشاطاته.

0 Comments