التواجد الإرهابي في تشاد

 

تشاد


التواجد الإرهابي في تشاد

تُعدّ تشاد ضمن أكثر (20) دولة تعاني من الإرهاب عالميّاً، وتحتل مراتب متقدمة ضمن أكثر (10) دول تضرراً من الإرهاب أفريقيّاً. ورغم أنّها ظلت بعيدة عن عمليات بوكو حرام حتى شباط (فبراير) عام 2015، وهو العام الذي شهد أولى عمليات التنظيم داخل الدولة في المنطقة الجنوبية الواقعة على حوض بحيرة تشاد؛ رداً على انضمام القوات التشادية لتحالف عسكري لمواجهة التنظيم، إلا أنّها تعاني بشدة الآن، والسبب هو التواجد السلفي الكبير الذي يعتبر مفرخة للجماعات الإرهابية.

الانتشار السلفي الصانع للإرهاب

تتواجد جماعة (أنصار السنّة) في تشاد، وتتمدد بشكل كبير، وهي الجماعة التي اصطدمت مع  أتباع المدرسة التيجانية الصوفية التي كانت حتى وقت قريب المذهب السائد في أوساط المسلمين بتشاد، كما تتواجد جماعة (الدعوة والتبليغ)، والدعوة السلفية تحت مسمّى (جماعة أهل السنّة والجماعة)، وأهم رموزها الشيخ عيسى داود، والشيخ محمد بركة معروف، والشيخ موسى سليمان، والشيخ شاذلي صالح، والشيخ محمد نهار زين، والشيخ محمد عيسى محمد زين، والدكتور شريف علي محمد جبريل، والشيخ محمد جبرين عيسى، وغيرهم كثير.

وفي العاصمة التشادية وحدها أكثر من (30) جامعاً للسلفيين، ولها مدارس في جميع مراحل التعليم بدءاً من الابتدائية، مروراً بالمتوسطة، والثانوية، ودور نسائية وحلقات تحفيظ قرآن على مستوى الدولة كلها، وهو ما أعطى قاعدة خلفية لجماعة مثل بوكو حرام للتمدد.

ومنذ استهداف بوكو حرام معقل القوة متعددة الجنسيات في جزيرة بوهوما التي تقع داخل تشاد في عام 2020 وقتلها أكثر من (90) جندياً، ثم الهجوم مرات عديدة على القوات التشادية عام 2021، ومُعدل العمليات الإرهابية آخذ في الزيادة في ظل تطور نفوذ ولاية غرب أفريقيا التابعة لتنظيم (داعش).

وتشير تقديرات حديثة إلى أنّ "ولاية غرب أفريقيا" ضاهت "بوكو حرام" من حيث النفوذ بل تفوقت عليه، إذ قدر مجلس الأمن الدولي قوات "الولاية" في 23 شباط (فبراير) 2021 بحوالي (5) آلاف مُقاتل، بينما قُدرت قوات "بوكوحرام" بحوالي (2000) مُقاتل، ويلاحظ أنّ هجمات الفصيل الداعشي تصاعدت خلال عام 2023 بصورة أكبر، فقد وصلت إلى (482) عملية مقابل (385).

وليس فقط انتشار السلفيين هو السبب الأوحد في الانتشار الإرهابي في تشاد، بل سياسة القبضة الأمنية، والبحث عن بدائل للتمويل والدعم، وهو ما تم من خلال تنفيذ عمليات متوالية عبر الحدود وخطف الرهائن في سعي نحو السيطرة المكانية والعملياتية، والحصول على التمويل.

وفي خضم الضغط الأمني، لجأ الفصيلان بوكو حرام وولاية غرب أفريقيا، وكذلك تنظيم القاعدة للانخراط بشكل أكبر داخل المجتمع التشادي لتعويض خسائرهم عبر استقطاب عناصر جديدة وزيادة الدعم لعملياتهما، مُستفيدين من الروابط الثقافية والعرقية والدينية والتوترات المجتمعية الطويلة الموجودة بالمنطقة، واستغلال الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية، والتدهور البيئي المستمر، والظواهر الاجتماعية المُعقدة، مثل شبكات التهريب.

السيناريوهات المُستقبلية للإرهاب في تشاد

حسب مؤشر الإرهاب العالمي فإنّ التنظيمات الإرهابية في تشاد غيرت تكتيكاتها المستخدمة في العمليات الإرهابية، فلم تعد تركّز ـ كما في السابق ـ على التفجيرات، التي شكلت 7% فقط من هجماتها الإرهابية لعام 2020، بل تركز على الهجوم المسلح (40% من هجماتها) واحتجاز الرهائن (36%) في عام 2023.

ويجيء فرع داعش غرب أفريقيا في المرتبة الأولى إرهابياً، فقد أسقط بهجماته (4188) ضحية، والعدد التقريبي لأعضاء التنظيم (3500) إرهابي، في الكاميرون وتشاد ونيجيريا والنيجر.

من هنا فإنّ ثمة سيناريوهات تتعلق بمسألة التواجد الإرهابي في تشاد؛ أوّلها هو تقويض جماعة بوكو حرام وإدماجها في ولاية غرب أفريقيا، وهو ما جرى بالفعل، بعد أن احتدم الصراع بينهما إلى أن وصل إلى مقتل شيكاو بتفجير سترته الناسفة في منتصف عام 2021، وهو ما أدى إلى تشجيع ولاية غرب أفريقيا الداعشية على العمل من أجل تقويض بوكو حرام في معقل نفوذها التاريخي بشمال شرق نيجيريا وغابة سامبيسا، وتنامي عمليات التجنيد الداعشية في أوساط السكان المسلمين المحليين في نيجيريا وتشاد.

الأمر الثاني المهم هو أنّ التنمية هي السبيل الوحيد لقطع الطريق أمام المنظمات الإرهابية، في ظل تقارير دولية حديثة تؤكد الحاجة إلى التنمية، كما ورد على لسان جوزيه غرازيانو دا سيلفا، المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، بأنّ الوسيلة الوحيدة لمواجهة التنظيمات الإرهابية في هذه المنطقة هو دعم أنشطة الزراعة والثروة الحيوانية ومصائد الأسماك، لأنّها تديم سبل المعيشة لحوالي 90% من سكان المنطقة إيماناً بأنّ عودة الاستقرار لا يُمكن تحقيقها بقوة السلاح فقط.

ويوضع مستقبل الإرهاب في تشاد على المحك بسبب عدم قدرة دول المنطقة على تفعيل أنشطة المهام العسكرية الإقليمية المُشتركة، لأنّ القوات العسكرية التشادية تواجه مجموعة من التحديات والعوائق التي تقف أمام تحقيق هدفها الرئيسي، وهي: أ- نقص التعاون العسكري والاستخباراتي، ب- الفشل في تحديد أولويات القوة وتوزيع الأعباء والمهام، حيث شعرت تشاد بأنّ مواجهة التنظيمات الإرهابية تقع بالكامل على عاتقها، ممّا سبب خلافات كانت دافعاً إلى اتخاذها قرار بسحب نحو (1000) جندي يقاتلون مع القوة في نيجيريا عام 2020، ج- ارتفاع التكاليف المالية.

وتلعب دول المنطقة دوراً أساسياً في استيطان الإرهاب وزيادة مُعدلات الجريمة المُنظمة والسرقة فيها عبر سياساتها التهميشية تجاه سكان هذه المنطقة، تزامناً مع التغيرات المناخية التي تفاقم الأوضاع سوءاً، وعدم التنسيق مع الحكومة التشادية، ومن هنا فإنّ العمليات الإرهابية ستتسبب إلى حد كبير في تفاقم حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني في تشاد.

وفي النهاية فإنّ معضلة القضاء على التنظيمات الإرهابية في تشاد تتمثل في عدم القدرة على التمييز بين الجماعات والسكان الأصليين، لأنّهم من سكان المدن في شمال البلاد، وأيضاً بسبب سهولة اندماج الجماعات المتشددة مع السكان، حيث تستغل الجماعات الإرهابية المزارعين والصيادين في تجنيدهم والانخراط كمقاتلين في صفوفها، مستفيدة في ذلك من العداوة والغضب اللذين يشعر بهما هؤلاء السكان نتيجة عدم استفادتهم من الاستثمارات الأجنبية الضخمة في مناطقهم منذ أن اكتشفت شركة توتال الفرنسية احتياطيات ضخمة من البترول والغاز الطبيعي (المسال)، لذا قد يكون ذلك مصدر قلق على المدى الطويل، في ظل عدم اعتماد استراتيجية أكثر احتواءً واستقطاباً للسكان المدنيين.

ولكي تضع تشاد حداً أمام آلة الاستقطاب التي تتبعها التنظيمات المتطرفة مع السكان المحليين عليها الاهتمام بتقوية روابطها مع السكان بوقف التفريق بينهم اجتماعياً أو انتهاك حقوقهم، وسرعة الاستجابة للأزمة الإنسانية التي تعاني منها الفئات السكانية الضعيفة، والعمل على تلبية احتياجاتهم وإدماجهم سياسياً واجتماعياً وثقافياً، ممّا سيكون له مردود إيجابي على المدى المستقبلي.

0 Comments