حكومة حرب إخوانية جديدة في السودان... هل البرهان يغامر مُجدداً؟

 

البرهان

حكومة حرب إخوانية جديدة في السودان... هل البرهان يغامر مُجدداً؟


سرّبت قيادة الجيش السوداني إلى وسائل إعلام محلية وناشطين مؤيدين لها من مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي خبراً مفاده أنّها بصدد تشكيل حكومة كفاءات في غضون الأيام المقبلة. 

وقد اعتبر مراقبون التسريب الذي تزامن مع التئام الجلسة الافتتاحية لتنسيقية القوى المدنية السودانية (تقدم) في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا في 27 أيار (مايو) تكتيكاً، خصوصاً أنّه جاء بعد مرور أكثر من عام على الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، ونحو عامين ونصف من انقلاب البرهان على الحكومة المدنية الانتقالية في تشرين الأول (أكتوبر)، 2021، حيث فشل الرجل حتى الآن في تشكيل حكومة، وظل يدير البلاد بمعرفته وبمساندة (3) ضباط آخرين؛ هم: نائبه شمس الدين الكباشي، ومساعداه ياسر العطا وإبراهيم جابر، مع دعم سياسي كبير من جماعة الإخوان المسلمين والحركة الإسلامية السودانية وحزبهما (المؤتمر الوطني). 

هيمنة إخوانية 

يهيمن الإخوان المسلمون على السُلطة الحكومية التي يرأسها البرهان حالياً، ويدير من خلالها الأقاليم التي يسيطر عليها الجيش، ويتخذ من مدينة بورتسودان على البحر الأحمر (شرق) عاصمة بديلة عن الخرطوم التي تسيطر قوات الدعم السريع على أكثر من 80% منها، لكنّ حكومته لا تحظى باعتراف محلي أو إقليمي أو دولي، لأنّها سلطة انقلابية، ولكونها تدير حرباً أهلية هدفها الاستحواذ على السلطة بإبعاد المنافسين لها سياسياً (تحالف أحزاب قوى إعلان الحرية والتغيير) أو عسكرياً (قوات الدعم السريع)؛ بالقوة العسكرية القهرية، ممّا تسبب في اندلاع حرب 15 نيسان (أبريل) 2023. 


حاول قائد الجيش عبد الفتاح البرهان منذ عام 2021، مراراً وتكراراً، فرض حكومة موالية له، لكنّ جميع محاولاته باءت بفشل ذريع، لكنّه مع اندلاع الحرب الراهنة ظلّ متحفظاً على إعلان حكومته بشكل رسمي، رغم ضغوط حلفائه في الحرب، جماعة الإخوان وبعض ما يُطلق عليها اسم (حركات الكفاح المسلح)، وهي حركات مسلحة كانت تمردت على حكومة الإخوان السابقة برئاسة عمر البشير، قبل أن توقع اتفاق سلام مع حكومة المرحلة الانتقالية التي ترأسها رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، في جوبا عاصمة جنوب السودان، في 3 تشرين الأول (أكتوبر) 2020.

مناورات العسكري 

 لم يستجب قائد الجيش لضغط هاتين الجهتين، لأنّه يخشى، وفقاً لمراقبين، من أن يتسبب عدم اعتراف المجتمعين الدولي والإقليمي بمثل هذه الحكومة إلى اتجاههما لدعم تحالف أحزاب (قوى إعلان الحرية والتغيير)، والاعتراف بها كحكومة منفى، فضلاً عن تقديم الدعم العسكري وفرض عقوبات على الجيش السوداني وقيادته ووضع السودان في قائمة الدول  الراعية للإرهاب مرة أخرى، خصوصاً في ظل مشاركة واسعة لمنظمات إرهابية بجانب الجيش في القتال الدائر الآن، الأمر الذي قد يُعجِّل الإطاحة به وتسليمه للعدالة، فيما ستظل الجماعات المساندة له في مأمن نسبي، لكونها ستحمّله المسؤولية بصفته قائد الجيش ورئيس الحكومة. 

 وفي هذا السياق، يتوقع مراقبون ألّا يستجيب البرهان لهذه الضغوط، وأنّه سيناور مجدداً لتبقى الأمور كما هي عليه منذ نحو (3) أعوام، إلى أن تتهيأ ظروف جديدة ومناخ مختلف ربما يتيح له التفاوض مع خصومه العسكريين والسياسيين والعودة إلى صيغة انتقالية يحتفظ فيها بمنصبيه السيادي والعسكري، ومن ثم يمكنه التقاعد دون ملاحقته قانونياً، لأنّ الاتفاقيات تجُبّ ما قبلها، كما هو معلوم. 

محاولات فاشلة 

أقبل قائد الجيش السوداني منذ توليه رئاسة المجلس العسكري الانتقالي بعد الإطاحة بالبشير، وبُعيد إقصاء الجنرال أحمد عوض بن عوف، على عدة مغامرات للاستحواذ على السلطة، أبرزها إعلانه في حزيران (يونيو) 2019 إيقاف التفاوض مع قوى الحرية والتغيير، وإلغاء ما تمّ الاتفاق عليه سابقاً، وإجراء انتخابات في غضون (9) أشهر، لكنّه أُجبِر بضغط كبير من الشارع وتدخل من الاتحاد الأفريقي ووساطة من رئيس الوزراء الإثيوبي (آبي أحمد علي) على التراجع والتفاوض مجدداً مع (الحرية والتغيير)، وصولاً إلى الوثيقة الدستورية وتشكيل أول حكومة مدنية انتقالية في آب (أغسطس) 2019، وسُمّي البرهان رئيساً لمجلس السيادة الانتقالي. 



خلال الفترة التي أعقبت ذلك، ظل البرهان يهيّئ الرأي العام المحلي والدولي لتقبّل حدوث انقلاب عسكري، فكان يدّعي كثيراً أنّ الجيش أحبط محاولات انقلابية، وظلّ "يضع المتاريس ويدس المحافير" ليعيق عمل الحكومة التنفيذية، وقد تحالف في سبيل ذلك مع أحد زعماء القبائل في شرق السودان الناظر تِرك، وهو إخواني معروف، لقطع الطريق الرئيسية الرابطة بين العاصمة وميناء بورتسودان، وإغلاق الميناء، وتعطيل عمل دولاب الدولة، إلى أن نفّذ انقلابه في تشرين الأول (أكتوبر) 2021، لكنّه فشل في المضي به قُدماً، فتراجع عنه في بداية عام 2023 بالتوقيع على اتفاق إطاري سياسي ينسحب الجيش بموجبه من العمل السياسي، لكنّه لم تمضِ أيام قلائل حتى تنصل منه بحجة أن يتم دمج قوات الدعم السريع في الجيش أوّلاً، ثم تنفيذ بقية بنود الاتفاق، ثم لم يلبث شهراً حتى أعلن الحرب عليها، وقضى على أيّ أمل بالعودة إلى المسار المدني الديمقراطي، وكانت هذه الحرب أكبر مغامرة لقائد الجيش، بل لعسكري سوداني عبر تاريخ الجيش من أجل الاستحواذ على السلطة، فقد كانت وما تزال تكلفة فاتورة الحرب عالية جداً.  

الحفر بالإبرة 

 برأي مراقبين، أنّ رجلاً بهذه المواصفات والصفات، ربما لن يتورع عن القيام بمغامرة جديدة، وأنّه ربما نفذ تسريباته وأعلن عن حكومته الجديدة التي بالضرورة لن تتمكن من استيعاب ممثلين لجميع الولايات والقوميات والميليشيات المشاركة بجانبه في الحرب، الأمر الذي سيترتب عليه خروج كل من لم يحصل على منصب من التحالف الحالي، بل التمرد عليه؛ إمّا بالانضمام إلى قوات الدعم السريع، وإمّا بحمل السلاح ضد الوضع الجديد برمّته، خصوصاً أنّ الحصول على السلاح أصبح أمراً متاحاً في ظل الحرب الدائرة الآن، وبالتالي ستتسع دائرة الحرب لتشمل جغرافيات جديدة، وتنفلت الأمور أكثر من بين أصابعه، ممّا يجعل مهمة إطاحته أو الانقلاب عليه أكثر سهولة من ذي قبل، فهل يغامر البرهان بإعلان حكومة جديدة استجابة لضغوط الإخوان، أم سيتبع تكتيكه المفضل الذي يطلق عليه "الحفر بالإبرة"، أي سياسة النفس الطويل؟

0 Comments