مستقبل الإسلام السياسي بين التيار السلفي والإخوان

 

الإسلام السياسي


مستقبل الإسلام السياسي بين التيار السلفي والإخوان

منذ سبعينيات القرن العشرين، ومع ظهور الصحوة الإسلامية، كان التنافس كبيراً بين اثنين من أبرز الفاعلين في المجال الديني؛ الأوّل جماعة الإخوان التي عادت إلى المشهد السياسي والديني مرة أخرى بعد ابتعادها عنه على إثر صدام الخمسينيات، مرتكزة على رصيدها من الحضور والتأثير الذي صنعته خلال عقود نشاطها الأولى قبل ذلك الصدام، والثاني التيار السلفي الناشئ من رحم الظروف السياسية والاجتماعية التي تشكلت في الخمسينيات والستينيات والمدعوم من الدولة السعودية


 وكان عنصر التنظيم الذي تمتعت به جماعة الإخوان ويفتقده التيار السلفي ـ بخلاف السلفية الجهادية ـ هو ما منحها الفرصة لتحقيق العديد من المكتسبات التي كان آخرها الوصول إلى منصب رئيس الدولة والاستحواذ على النسبة الكبرى من مقاعد البرلمان، وفي المقابل استطاع التيار السلفي منذ ظهوره تحقيق حضور كبير على مستوى الجمهور من خلال أدواته الدعوية المختلفة، وظهرت آثار ذلك الحضور بعد الثورة بشكل كبير، إلا أنّ الأمر تغير بعد 2013، فقد سقطت جماعة الإخوان من الحكم، وأودى بها العمل السياسي في أتون صراع لم تخرج منه حتى اليوم. فكيف يبدو مستقبل التنافس داخل المجال الديني بين التيار السلفي في صورته الدعوية أو العلمية وبين جماعة الإخوان، في ظل عدد من المتغيرات، وفي ظل نقاط قوة وضعف يتمتع بها كلٌ منهما؟

تشترك كل من جماعة الإخوان والتيارات الممثلة للسلفية العلمية أو الدعوية في هدف واحد وهو إيجاد مجتمع إسلامي تطبق فيه الشريعة كما يتصورها كل منهم، لكنّ الاختلاف في الأفكار خلق اختلافاً في أساليب وأدوات العمل، كما خلق منافسة بين كلا الطرفين للاستحواذ على مساحة أكبر من المجال الديني وجذب عدد أكبر من الأفراد، وقد وصل هذا التنافس حدّ العداء بين الإخوان والتيار السلفي، كانت له مظاهر قبل الثورة في النقد والهجوم المتبادل في العلن بين كلا الطرفين


 وكذلك في العمل على استقطاب كل فريق لعدد من الأفراد مع العمل على تشويه كل منهما للطرف الآخر واتهامه باتهامات مختلفة لإبعاد الأفراد محل المنافسة عنه وجذبهم إليه، وبعد الثورة بدا الخلاف بشكل أكبر، وكان من مظاهره اتخاذ كل فريق مساراً سياسياً مختلفاً في كثير من الأحيان، انتهى بتأييد الدعوة السلفية بالإسكندرية وذراعها السياسية المتمثلة في حزب النور للإجراءات التي تمّت تجاه جماعة الإخوان، وانتهت بعزل الرئيس المنتمي إليها من الحكم، ثم استمرت الخصومة والاتهامات المتبادلة فيما بينهما بعد ذلك.


وفي حين انشغلت جماعة الإخوان في صراعها السياسي الذي أنهكها وأبعدها عن ممارسة الدور الدعوي الذي كانت تقوم به، فإنّ التيار السلفي، وعلى الرغم من التغيرات التي حدثت بعد 2013 وتسببت في تضييق المساحة التي يعمل بها، وتعرّض أفكاره لكثير من النقد؛ إلا أنّه ما يزال قادراً على الحضور والتأثير بسبب مجموعة من العوامل؛ منها مركزية الدين في المجتمع، والظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تجعل الأفراد في حاجة إلى الدين


 وبعض العوامل الخارجية مثل الحرب في غزة التي منحت التيار الإسلامي فرصة للحضور بصورة أكبر، وهناك عدد من الأسباب التي ساهمت في تلك النتيجة، وهي تراجع جماعة الإخوان عن الحضور والتأثير داخل المجال الديني والتخلي بنسبة كبيرة عن الدور الدعوي لصالح التيار السلفي الذي يعمل بوسائل مختلفة ومتجددة على القيام بهذا الدور والاستحواذ على مكانة أكبر داخل المجال الديني، وهذه الأسباب تتمثل في جزء منها في بعض نقاط الضعف التي تصيب جماعة الإخوان، وفي جزء آخر في بعض نقاط القوة التي يتسم بها التيار السلفي.

0 Comments