المثقف إذ ينسحب تاركاً الساحة للتفاهة وللتشدّد والإرهاب

 

الإرهاب

المثقف إذ ينسحب تاركاً الساحة للتفاهة وللتشدّد والإرهاب

خرج أغلب المتورطين في الأحداث الإرهابية التي هزت مدينة الدار البيضاء بالمغرب، في 16 أيار (مايو) 2003، وأسفرت عن مقتل 45 شخصاً، من بينهم 11 انتحارياً، من الأحياءِ الهامشية.

كانوا يحضّرون لجلسات دينية تقام بالبيوت أو المساجد، يقول خالد، الذي يعيش في حي سيدي مومن، الذي كان ضمن شباب كثيرين تحلقوا حول الفكرِ المتطرف خلال تلك الفترة. يذكر خالد لـ "حفريات": "كان المتشددون يلاحقوننا بعد الصلاة، ويدعوننا إلى جلسات دينية، ويذهبون أيضاً إلى الأمكنة التي يجتمع فيها المدمنون والمنحرفون في الحيّ، ما أزال أتذكر كيف تحول عدد كبير من شباب الحي من منحرفين إلى متشددين".

لم يكن المتشددون يجدون أيّة صعوبة في التواصل مع الشباب، وتعبئتهم بالأفكار المتطرفة، وبحسب خالد: "لا صوت يعلو آنذاك على صوت الخطاب المتطرف، في حين غاب خطاب العقل".وجد المتشددون الساحة فارغة، والشباب هشّاً اجتماعياً يعيش في براثن الفقر، ويفتقدون للقدرة على تحليل خطابهم.


"غابت عن الساحة الأصوات المنادية بنقد الخطاب المتطرف، وحتى إن وجدت كانت داخل الأروقة الثقافية، حكراً على نخبة معينة، فالانتقال إلى مركز المدينة الدار البيضاء وحضور لقاء ثقافي كان مكلفاً بالنسبة إلينا، مقارنة بالذهاب إلى المسجد وحضور الجلسات الدينية، كان المتشددون قريبين منا، أما النخب المثقفة فحضور لقاءاتها يتطلب جهداً، وأن يكون الشاب مثقفاً ليفهم خطاباتهم ويستوعبها"، يقول خالد.فهل ساهم غياب المثقفين عن الساحة في فسح المجال للمتطرفين؟ وهل استغلّ المتطرفون هذه الفجوة بين المثقفين والشارع المغربي؟ ولماذا نجح المتشددون فيما فشل فيه المثقفون؟ وهل عجز المثقف عن إيجاد خطاب لمواجهة الفكر التكفيري الرافض للآخر؟


يقول الكاتب المغربي سعيد ناشيد إنّ "جوهر مشاكل المجتمع المغربي ثقافية، وتتعلق بالتخلف والتأخر، والقيم الأساسية التي تحدد الموقف من المرأة والأقليات وقيمة العمل وثقافة الريع وثقافة التواكل، وضعف القدرة على تفكير، وضعف القدرة على الإبداع، وبالجملة ضعف القدرة على الحياة، من هنا فالإصلاح الثقافي مدخل أساسي للتقدم وللنهضة وللحداثة، وهنا أيضاً يكمن الدور الأساسي للمثقف، لكن عن أيّ مثقف نتكلم؟ وجب التحديد".ويضيف ناشد،بأنّ "الدور الأساسي للمثقف يكمن في دوره بالمساهمة في التنوير العمومي وتنمية الذكاء؛ لأنّ تنمية الذكاء معطى أساسي للنهوض والتقدم، بيد أنّ الحاصل عندنا هو أنّ المثقف منسحب على وجه العموم من هذه المهام".


ويرى الباحث المغربي أنّ التحولات التي مسّت المجتمع، وانتقاله إلى مرحلة مختلفة عن السابق، أثرت في المثقف ودوره: "انتقلنا إلى مرحلة لم تعد فيها لآليات التواصل العمودي، التلفاز والإذاعة والصحيفة الورقية، ومنبر خطيب الجمعة، أيّ دور أساسي، يعني أنّ هناك من ينتج الخطاب بشكل مطلق، وهناك من يتلقى الخطاب بشكل مطلق؛ لقد انتقلنا إلى فعالية آليات التواصل الأفقي".

وساهمت منتديات التواصل الاجتماعي في الدخول إلى مرحلة جديدة، يصفها ناشيد بأنها "أثرت في عقول الشباب، وفرضت إنتاج أسلوب جديد، وآليات جديدة في التواصل والتخاطب والتفاعل، وهناك عدة أساليب لم تعد تناسب هذا العقل الذي أنتجته آليات التواصل الاجتماعي".ودعا سعيد ناشيد المثقف إلى أن يكون في مستوى التحول التاريخي للمفاهيم، وأيضاً إلى "ضرورة تغيير اللغة وتغيير الفعالية والدينامية، وفهم حاجيات الأجيال الحالية التي لديها أساليب خاصة".

0 Comments