تجاوزت 250 حزباً.. أين اختفت أحزاب تونس التي تشكلت بعد الثورة؟

 

تونس


تجاوزت 250 حزباً.. أين اختفت أحزاب تونس التي تشكلت بعد الثورة؟ 


بعد أن شهدت الساحة السياسية في تونس طفرة غير مسبوقة في تكوين الأحزاب، عقب سقوط حكم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي في 2011 وتسلم حركة النهضة الإخوانية الحكم، حيث ناهز عددها 250 حزباً حتى عام 2020، وهو عدد ضخم مقارنة بعدد السكان، توارت هذه الأحزاب بشكل لافت منذ إعلان الرئيس سعيّد التدابير الاستثنائية في 25 تموز/يوليو 2021.



ويجمع مراقبون على أنّ المنظومة الحزبية السابقة للحظة 25 تموز (يوليو) 2021، خرّبت الحياة السياسية، لأنّها تشكّلت على أساس المصالح الحزبية الضيقة ولم تهتمّ لحال التونسيين وتطلعاتهم في الرّفاه الاقتصادي والاجتماعي"، وهو ما جعلها تفقد ثقة التونسيين سريعاً، وفقاً لنتائج سبر آراء متنوعة.


محاسبة المنظومة الإخوانية



ومنذ إعلان الرئيس التونسي قيس سعيّد، عن الإجراءات الاستثنائية في 25 تموز/يوليو 2021، تصاعدت المطالب آنذاك بمحاسبة المنظومة التي تسببت فيما بات يعرف بـ "العشرية السوداء"، والتي سيطر عليها استغلال عدد من الأحزاب لنفوذها السياسي في الحصول على تمويلات أجنبية تم استغلالها في تمويل حملاتها الانتخابية، وفي مقدمتها حركة "النهضة".


وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 2023، أعلنت رئاسة الحكومة حل 97 حزباً، بسبب عدم تقديمها تقاريرها المالية منذ عام 2018، من بين 150 حزباً وجهت لها تنبيهات لتسوية أوضاعها المالية. وأوضح ديوان رئاسة الحكومة أنّ القضاء أصدر قرارات بين عامي 2020 و2022 بحل 15 حزباً، بينما قرر 14 حزباً حل نفسه.


هذا ويؤكد متخصص القانون ورئيس حزب الائتلاف من أجل تونس، سرحان الناصري أنّ "المنظومة الحزبية السابقة للحظة 25 تموز (يوليو) 2021، خرّبت الحياة السياسية، لأنّها تشكّلت على أساس المصالح الحزبية الضيقة ولم تهتمّ لحال التونسيين وتطلعاتهم في الرّفاه الاقتصادي والاجتماعي".


ويرفض الناصري، أيّ "مصالحة سياسية يكون أحد عناصرها المنظومة السابقة، مطالباً بمحاسبتها وبتحميلها مسؤولية الفشل الذي كانت له تداعيات اقتصادية واجتماعية على عموم التونسيين"، ومعتبراً أن "نخبة سياسية جديدة بصدد التشكل في تونس هدفها خدمة التونسيين أينما كانوا والاستجابة لتطلعاتهم في العيش الكريم".


وقد أرجع زهير المغزاوي أمين حزب حركة الشعب تآكل الأحزاب السياسية إلى بنيتها الهشة أصلاً، بدليل اندثار أحزاب عدة قبل حتى قرارات 25 يوليو، رغم فوزها في انتخابات ديمقراطية في 2011، وقال  "لقد اعتمدت هذه الأحزاب على أشخاص، وليس على رأس مال سياسي، ولهذا اندثرت".يُذكر أنّ أغلب الأحزاب غير معروفة ولم يتجاوز نشاطها توقيع أوراق التكوين، وبعضها لم يستطع تكوين قاعدة شعبية، باستثناء عدد قليل منها فقدها لاحقاً لعدّة تراكمات على امتداد الأعوام الـ (10) الماضية.


ومعظم زعماء هذه الأحزاب لا يؤمنون بالديمقراطية، ولا همّ لهم سوى خدمة مصالحهم، وهناك أحزاب غير معروف عنها إلا زعيمها، وهناك أحزاب لم تغير رئيسها منذ أعوام طويلة، وهناك أحزاب لا يزيد عدد أعضائها عن رئيس الحزب وعنصر أو (2) فقط، فيما يرى خبراء في الشأن السياسي، أنّها تشكلت جميعها لخدمة حزب واحد يظهر بشكل مستمر في الصورة.


وفي ما يتعلق بالأحزاب المعروفة على غرار حركة النهضة التي قادت الحكم في البلاد، خلال الأعوام الـ (10) الماضية، فقد ساهمت في بناء مناخ من انعدام الثقة بينها وبين قواعدها الشعبية، من خلال عدم الإيفاء بوعودها الانتخابية، وبناء تحالفات مضادّة، واللهث وراء المصالح السياسية والمناصب.


تمويلات مشبوهة



وكثيراً ما أثار ملف تمويل الأحزاب والجمعيات الجدل في تونس خلال العشرية الماضية، حيث ارتفعت مصاريف بعض الأحزاب السياسية بطريقة لافتة للأنظار وأمام عدم تقديم أغلب الأحزاب لتقاريرها المحاسبية لمعرفة مدى تطابق المصاريف مع ميزانياتها، وهو ما أثار شكوكاً بشأن إمكانية تلقي بعض الأحزاب لتمويلات من قبل أطراف أجنبية.وكآلية لضمان عدم التجاء الأحزاب السياسية إلى تلقي تمويلات أجنبية، أقرت الدولة مبدأ التمويل الحكومي للأحزاب، حيث جاء في الفصل 21 من المرسوم عدد 87 إقرار “بتمتع الأحزاب السياسية بالتمويل العمومي”.


لكن الأحزاب ظلت تشتكي من ثغرة في المرسوم الذي لم يحدد طريقة التمويل الذي اقتصر على الفترات الانتخابية دون غيرها، وذلك حسب الشروط التي يضبطها القانون الانتخابي، في حين تطالب الأحزاب بأن يكون التمويل على مدى السنة. في السياق، تمت تخطئة حركة النهضة بمبلغ قدره مليون و170 ألفًا و470 دولارًا، وذلك على ضوء شكوى تقدم بها السياسي والوزير الأسبق محمد عبو، والتي اتهم خلالها النهضة بالتعاقد مع شركة دعاية أمريكية قبيل انتخابات 2019.


من جهته، قال الأمين العام المساعد لحركة شباب تونس الوطني حسام بن أحمد،  إنّ حلّ ملف الأحزاب السياسية المتورطة في الفساد المالي والتمويل الأجنبي المشبوه، يجب أن يكون بالتوازي مع بقية الأولويات التي رسمت مسار 25 يوليو.وأوضح بن أحمد أنّ هذا الملف على غاية من الحساسية، على اعتبار تأثيره المباشر على استقرار المناخ السياسي في البلاد وعلى الاستحقاقات الانتخابية التي ستعيشها تونس خلال الفترة المقبلة.


وأضاف: "من حق الشعب التونسي أن يذهب إلى الانتخابات في ظل مناخ نقي من الشوائب كما هو متعارف عليه إقليميا ودوليا، والمطلوب هو أن تكون هناك شفافية مطلقة وأن تبادر الدولة بأجهزتها الرسمية إلى التدقيق في حسابات الأحزاب والجمعيات التي تعلقت بها شبهات التمويل الأجنبي".وكان الاتحاد الأوروبي صنف تونس في 2018 ضمن القائمة السوداء للدول عالية المخاطر لغسيل الأموال وتمويل الإرهاب، بسبب قصور في تشريعاتها. 


واعتمد التكتل الأوروبي في تصنيفه على تقرير مجموعة العمل المالي الدولية (غافي)، قبل أن تتم مراجعته لاحقا بعد إصلاحات قانونية اتخذتها تونس ليتم سحبها من القائمة السوداء في .2020وقد كشفت دائرة المحاسبات عن تجاوزات وتمويلات أجنبية لعدد من الأحزاب وانتهاكات لقانون الانتخابات المتعلقة بتمويل الحملات الانتخابية لعدد من الأحزاب.


وأظهرت في تقريرها المنشور في 2021 أنّ حجم التمويلات الأجنبية التي استفادت منها الجمعيات، وفق المعطيات المتوفرة لديها، بلغت 68 مليون دينار (25.15 مليون دولار) سنة 2017 و78 مليون دينار (28.85 مليون دولار) سنة 2018 في وقت لم تُعلم فيه 566 جمعية الحكومة بتلقيها تمويلات أجنبية المصدر.


وأضافت محكمة المحاسبات في تقريرها الـ32 أنّ الأرقام التي توصلت إليها أعلى من تلك التي أوردها البنك المركزي التونسي والتي تقارب 27 مليون دينار (9.99 مليون دولار) سنة 2017 و17 مليون دينار (6.29 مليون دولار) سنة 2018، مبيّنة أنّ أرقام البنك المركزي التونسي المتعلقة بحجم التمويلات الأجنبية للجمعيات تمثل 41 في المئة من الحجم المتوقع لسنة 2017 و22 في المئة من الحجم المتوقع لسنة 2018

0 Comments